الخميس، ١١ أغسطس ٢٠١١

الدولة المدنية ذات المرجعي الإسلامية











بعد أحداث الثورة المصرية ومناخ الحرية والذى أتاح لكافة القوى السياسية عرض مناهجها الإصلاحية كثر تداول مصطلح الدولة الدينية والمدنية والمرجعية الإسلامية كتبت تدوينة سابقة فى هذا الموضوع تحت عنوان الدولة الدينية والمدنية تأصيل المصطلح ابتداء واليوم نؤصل لمعنى الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية



ما هو التعريف الإصطلاحى الدستورى للمرجعية :



المرجعية اصطلاحا تعنى المبادئ فوق الدستورية أى المبادئ العامة والتى يعكسها الدستور على هيئة نصوص ثم قوانين تنظمها أحكام فعندما نقول المرجعية الإسلامية تعنى المبادئ العامة التى جاءات فى الشريعة مثل الشورى الحرية العدالة والتى تنعكس فى نصوص دستورية وأحكام قانونية فهذا هو المقصود بمصطلح المرجعية الإسلامية



أما تعريف الدولة المدنية فهي التي تعبر عن المجتمع وتكون وكيلة له وتستند لقيمه، ويختار فيها المجتمع حكامه وممثليه ويعزلهم ويحاسبهم أو بتعبير آخر فهى الدولة التى يكون فيها السيادة فيها للشعب ؟



يقوم الفكر السياسى لجماعة الإخوان المسلمين على الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية ؟ فهل مصطلح الدولة المدنية عرف فى التاريخ الإسلامى وهل هذا معتقد عند جماعة الإخوان أم هى مسايرة للثورة كما يزعم البعض ؟



أعلم أن الكثير سيصاب بالدهشة عندما نقول أن الإسلام شهد أول دولة مدنية فى التاريخ البشرى بمعناها المقصود والذى أصلته أكثر من مرة : فالدولة الحديثة بصورتها لم تكن موجودة عام 1 هجرى أى فى القرن السابع الميلادى وقت نزول الرسالة الإسلامية فأوربا كانت قبائل شهدت صراعات غير مسبوقة بدون أن توجد الدولة المدنية الحديثة الدستورية



وعندما جاء رسول الله صل الله عليه وسلم وأسس الدولة الإسلامية بعد الهجرة للمدينة نستطيع القول أنها كانت دولة مدنية بالمعايير الحديثة للدولة المدنية

يجب أن نعلم بداية أن تأسيس الدولة فى الإسلام مر بمرحلتين المفاوضات قبل الاتفاق ثم الهجرة إلى المدينة وتأسيس الدولة

مرحلة المفاوضات والاتفاق على تأسيس الدولة بدأت بعد عام الحزن عندما بدأ صل الله عليه وسلم المفاوضات والاتفاقات فى رحلته للطائف أو فى بيعة العقبة الصغرى والكبرى وهذه المرحلة هامة لأنها تضمنت المبادئ الخاصة بالدولة



بل وفى فى نهاية بيعة القبة الكبرى والتى كانت بيعة بينه صل الله عليه وسلم و72 رجل و امرأتين بايعهم صل الله عليه وسلم على أن يؤمنوه ويلتزموا بستة أمور تم الاتفاق عليها معهم



لنعود إلى بيعة العقبة الكبرى كما هى فى السيرة النبوية :



قال كعب: "فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب، أم عمارة، من بني مازن بن النجار، وأسماء بنت عمرو، أم منيع، من بني سلمة.
فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا، ومعه (عمه) العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، ويتوثق له، وكان أول متكلم".
بداية المحادثة وتشريح العباس لخطورة المسؤولية:
وبعد أن تكامل المجلس بدأت المحادثات لإبرام التحالف الديني والعسكري، وكان أول المتكلمين هو العباس بن عبد المطلب عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكلم ليشرح لهم، بكل صراحة، خطورة المسؤولية التي ستلقى على كواهلهم نتيجة هذا التحالف قال:
"يا معشر الخزرج، – وكان العرب يسمون الأنصار خزرجاً، خزرجها وأوسها كليهما -، إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده. وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم و اللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك. وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده.
قال كعب فقلنا له قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول اللَّه، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.
وألقى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بيانه، ثم تمت البيعة.
بنود البيعة:
وقد روى ذلك الإمام أحمد عن جابر مفصلاً، قال جابر قلنا: يا رسول اللَّه على ما نبايعك؟ قال:
على السمع والطاعة في النشاط والكسل.
وعلى النفقة في العسر واليسر.
وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعلى أن تقوموا في اللَّه، لا تأخذكم في اللَّه لومة لائم.
وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة.



وبعد أن تمت البيعة طلب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم انتخاب اثني عشر زعيماً يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسؤولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة، فقال للقوم، أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومكم بما فيهم فتم انتخابهم في الحال، وكانوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.



ولما تم انتخاب هؤلاء النقباء أخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقاً آخر بصفتهم رؤساء مسؤولين.
قال لهم أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي – يعني المسلمين – قالوا: نعم.



تأمل لهذا الانتخاب والذى يعد أول تمثيل نسبى لنظام نيابى فى العالم يشهده التاريخ الإنسانى



فى علم السياسة تتشكل الدولة من شعب وإقليم وسلطة بعد الهجرة المدينة تشكلت العناصر الثلاثة للدولة الإقليم هو المدينة والشعب أهل المدنية بجميع طوائفها ثم السلطة سلطة النبى صل الله عليه وسلم



الشيء للافت للنظر هو أن الرسول صل الله عليه وسلم جعل من بايعه وكانوا 72 رجلا وامرأتين ينتخبوا نواب لهم أو نقباء وكان هذا قبل الهجرة أى قبل تأسيس الدولة وهذا يعطى لنا معنى حديث لم يعرفه التاريخ البشرى إلا حديثا وهو سيادة الشعب والتى سبقت هنا تأسيس الدولة



أما بعد الهجرة و تأسيس الدولة أصدر صل الله عليه وسلم أول دستور سياسى فى تاريخ البشرية وهى وثيقة المدينة هى بمثابة دستور مدنى لأول دولة مدنية مكون من 52 مادة



ولأهمية هذه الوثيقة والتى هى أول دستور مدنى مكتوب يحكم العلاقة بين السلطة والشعب (أهل المدينة بجميع طوائفها ) فسوف أختصها بتدوينه منفصلة قريبة إن شاء الله



مصادر التدوينة :محاضرة للأستاذ صبحى صالح فى حديث الثلاثاء حول الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية



كتاب الرحيق المختوم



السيرة لابن هشام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق